سورة النحل - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)}
{أَن تَمِيدَ بِكُمْ} كراهة أن يميل بكم وتضطرب والمائد: الذي يدار به إذا ركب البحر. قيل: خلق الله الأرض فجعلت تمور، فقالت الملائكة: ما هي بمقرّ أحد على ظهرها، فأصبحت وقد أرسيت بالجبال، لم تدر الملائكة ممّ خلقت {وأنهارا} وجعل فيها أنهاراً، لأن {وألقى} فيه معنى: جعل ألا ترى إلى قوله {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا والجبال أَوْتَاداً} [النبأ: 6]. {وعلامات} هي معالم الطرق وكل ما تستدل به السابلة من جبل ومنهل وغير ذلك. والمراد بالنجم: الجنس، كقولك: كثر الدرهم في أيدي الناس.
وعن السديّ: هو الثريا، والفرقدان؛ وبنات نعش، والجدي.
وقرأ الحسن: {وبالنجم}، بضمتين، وبضمة وسكون، وهو جمع نجم، كرهن ورهن، والسكون تخفيف.
وقيل حذف الواو من النجوم تخفيفاً.
فإن قلت: قوله {وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ} مخرج عن سنن الخطاب، مقدم فيه {النجم}، مقحم فيه (هم)، كأنه قيل: وبالنجم خصوصاً هؤلاء خصوصاً يهتدون، فمن المراد ب {هُمْ}؟ قلت: كأنه أراد قريشاً: كان لهم اهتداء بالنجوم في مسايرهم، وكان لهم بذلك علم لم يكن مثله لغيرهم، فكان الشكر أوجب عليهم، والاعتبار ألزم لهم، فخصصوا.


{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17)}
فإن قلت: {مَّن لاَّ يَخْلُقُ} أريد به الأصنام، فلم جيء بمن الذي هو لأولي العلم؟ قلت: فيه أوجه، أحدها: أنهم سموها آلهة وعبدوها، فأجروها مجرى أولي العلم. ألا ترى إلى قوله على أثره {والذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [النحل: 20] والثاني: المشاكلة بينه وبين من يخلق. والثالث: أن يكون المعنى أنّ من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولي العلم، فكيف بما لا علم عنده كقوله: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا} [الأعراف: 195] يعني أنّ الآلهة حالهم منحطة عن حال من لهم أرجل وأيد وآذان وقلوب، لأنّ هؤلاء أَحياء وهم أموات، فكيف تصح لهم العبادة؟ لا أنها لو صحت لهم هذه الأعضاء لصحّ أن يعبدوا.
فإن قلت: هو إلزام للذين عبدوا الأوثان وسموها آلهة تشبيهاً بالله، فقد جعلوا غير الخالق مثل الخالق، فكان حق الإلزام أن يقال لهم: أفمن لا يخلق كمن يخلق؟ قلت: حين جعلوا غير الله مثل الله في تسميته باسمه والعبادة له وسوّوا بينه وبينه، فقد جعلوا الله تعالى من جنس المخلوقات وشبيهاً بها، فأنكر عليهم ذلك بقوله: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ}.


{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19)}
{لاَ تُحْصُوهَا} لا تضبطوا عددها ولا تبلغه طاقتكم، فضلاً أن تطيقوا القيام بحقها من أداء الشكر، أتبع ذلك ما عدّد من نعمه تنبيهاً على أنّ وراءها ما لا ينحصر ولا ينعدّ {إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} حيث يتجاوز عن تقصيركم في أداء شكر النعمة، ولا يقطعها عنكم لتفريطكم، ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها {والله يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} من أعمالكم، وهو وعيد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8